ولكن مع ذلك فإن
سامي النشار مثلاً يتهجم على
شيخ الإسلام في كل مرة، بمناسبة وبغير مناسبة، حتى ينسبه إلى فرق لم يرد عليها أحد أكثر منه رحمه الله، أو ينسب إليه أقوالاً ما قالها، ولكنه اعترف في كتابه:
نشأة الفكر الفلسفي ، أن
ابن تيمية دقيق في النقل، وأنه لا ينقل كلام أحد إلا كما هو، فما استطاع أن ينكر ذلك. وهذه حقيقة فلو أنك أردت أن تطابق مثلاً بعض ما كتبه الإمام
ابن عبد البر رحمه الله لتتأكد منه كأن لديك مخطوطتين تقابل بينهما، فخذ كلام
شيخ الإسلام وقارنه مع ذلك الأصل ستجد أن الفروق لا تخرج كما لو كانت بين مخطوطتين أو بين كتاب منه نسختان. لكن هناك أئمة آخرون كـ
أبي حامد الغزالي وغيره وهم أئمة، ولا يتعمدون الكذب ولا نظن فيهم إلا الصدق، لكنك تجد النقل عندهم يختلف؛ لأنه قد ينقل بالمعنى.إذاً: لا بد من الدقة والأمانة في النقل فلا تأخذ أول الكلام وتدع آخره، ولا تأخذ الكلام مجرداً عن السياق الذي جاء فيه، وقد ذكرنا الحديث الذي رواه الإمام
البخاري رحمه الله في أول كتاب الإيمان، ورد على
المرجئة عن
أبي وائل عن
عبد الله ، و
شقيق بن سلمة هو تلميذ
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال
زبيد اليامي: سألت
أبا وائل عن
المرجئة فقال: حدثني
عبد لله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (
سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ). ولو كان سئل
أبو وائل عن
الخوارج لأجابه بأنهم يقاتلون الأمة ويستحلون ذلك، لقالت
الخوارج : نعم نحن كذلك؛ لأن أصحاب المعاصي كفار، والصحابة كفروا، فنحن نقاتل هذه الأمة على الكفر؛ لأن الذين تقاتلوا يوم الجمل ويوم
صفين كانوا كفاراً؛ لأن (
سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، فيكون الحديث حجة لهم، يؤولونه على مذهبهم، وليس المقصود منه ذلك، لكن
المرجئة هم الذين يحتاجون أن يعلموا خطر المعاصي، فيقال لهم: مجرد السب فسق، فإذا ارتقى إلى القتال صار كفراً، لكنه لا يُخرج من الملة؛ وما هذا الجواب عن
المرجئة إلا لأن قضية الخروج من الملة عندهم لا ترد؛ لأنهم يحملون الكلام على عدة محامل بحيث لا يصل الإنسان عندهم إلى الخروج من الملة؛ لأنهم
مرجئة ، أما
الخوارج فيبحثون عن أي كلمة فسق فيجعلونها كفراً ويحتجون بالآية: ((
إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ))[الكهف:50].فالعدل ألا تخرج الكلام عن سياقه، وأن تعلم لمن كان الكلام موجهاً، وما المراد منه، وإلا وقعت في شيء من الإخلال بالأمانة والعدل، فليتحر الإنسان العدل ما استطاع.وهنا وقفة تربوية لا بد منها في معرفة منهج
شيخ الإسلام لمعرفة ما كان عليه من الإنصاف والعدل والتحري حين يقول: (فالإمام
أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه نظر إلى حقيقة الإيمان لغة مع أدلة من كلام الشارع) وهنا لا بد لنا من وقفات قبل أن ندخل في تفصيل كلامه.